هناك من هم غير راضين عن الله، هناك من يريدون أن يعدلوا على ما قدر الله. هناك من بعدوا كثيرا عن حقيقة قوله: "وَرَضُوا عَنْهُ" فلا يرضون بقضائه وقدره، ولا يظنون فيما قدّره عليهم الخير لهم، أو في أوامره وجوب الطاعة لجنابه الأسمى.
فإذا كان ملك الملوك قد رضي بي على استغنائه وعطائه وعظم ملكه وهو الخالق الرازق، فكيف لا أرضى؟! وكيف لا أفر إلى الله، وأسعى إليه، وأنا العبد الفقير المحتاج إليه في كل شيء وفي كل نفس؟!
فسبحان القائل: "إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا".
تعبير قرآني عظيم يصف لنا خضوع المؤمن الحق خضوعا كاملا لله، إنه الذل لله. ويقول العلماء عن قوله "خَرُّوا" إنه يعبر عن الذوبان شوقا وحبا وأن كلمة الله ورسوله تؤثر فيهم فيسقطون دون تكلف ودون إرادة فارقب قوله تعالى عن قرآنه الكريم: "تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ".
إن الله هو الذي يوفقك لما يرضاه فلو بكيت فإنه هو الذي أبكاك لتتقرب بالدموع إليه. وهناك دمعتان يحبهما الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ".
فالله هو الموفق لك في كل هذا.. ليوفقك لرضاه ويوفقك لجنته.. كل هذا من رضاء الله فاحذر أن يرضى الله عنك ثم لا ترضى أنت عنه.
إن من الرضا من الله أنه بعد كل جمع خير، أو مجلس علم، أو مجلس ذكر، يقول الله لملائكته عن عباده هؤلاء: "أشهدكم ملائكتي أني قد غفرت لهم".. يغفر لنا رغم كثرة الذنوب رغم العيوب ورغم الغفلة. مجرد لحظة يقظة هو سبحانه الذي وفقك إليها يغفر لك.. إعلان أن الله رضي عنك أيها الإنسان فهل أنت راض عن الله؟
فكيف أن الله الكبير العظيم يرضى بالعبد الذليل العاصي، فيفرح لتوبته، ويفرح لهداه، ويفرح لتوكله، ويذكر هذا العبد إذا ذكره حتى يقول الله في حديثه القدسي: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي".. كيف يقبلنا كل هذا القبول ويرضى عنا كل هذا الرضا ونحن لا نقبل عليه ولا نرضى به؟!!
فإياك إياك أن يرضى هو بك ولا ترضى به.. إنه بانتظارنا دائما لنعود ونتوب. إنه القائل جل شأنه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".