أصول التخييل المسرحي":

"أصول التخييل المسرحي":

مقاربة أنترولوجية في المسرح و الثقافة الشعبية:

يواصل الباحث المسرحي سالم اكويندي استجلاء الأصول الثقافية للمسرح العربي انطلاقا من موقع متخيل المسرح المغربي• فبعد بيبلوغرافيا غنية لا مست جوانب متعددة وثاوية في أثون مواقع المتخيل، وتقعيد صارم نظري للخطاب المسرحي المدرسي في تجربة عربية متميزة، يصدر هذه السنة للباحث سالم اكويندي كتاب "أصول التخييل المسرحي" عن مطبعة دار النشر المغربية، وبغلاف يوشحه الفنان التشكيلي المغربي صلاح بن جكان• الكتاب يعتمد المقاربة الأنتروبولوجية لاستجلاء الأصول الثقافية للمسرح العربي انطلاقا من موقع متخيل المسرح المغربي، "حيث يمثل هذا الموقع رؤيا يمكنها أن تتحقق" خاصة وأن انطواءات الثقافة الشعبية تختزن العديد من المظاهر الفرجوية، وبما أن المسرح في بداياته الأولى كان طقسا دينيا يقاوم بها الإنسان مصاعب حياته، ومحاولة التغلب عليها بما يستضمره من تجارب، حيث ستصبح بمثابة تقاليد وعادات••وهو ما يجعل الطقس الديني الممارس يتحول الى فن تعبير لإعادة التوازن والانسجام الحياتي، وهو ما أعطى -يؤكد الباحث في تقديمه للكتاب- "للمسرح قوة الحضور وإثبات نماذجه الموسومة بالقوانين والتقعيدات في انتظام مقومات فن المسرح"• وبما أن الفعل الدرامي يؤخذ من صورة الحياة العامة للناس بما هي في الواقع، فإن الشعر العامي هو أنسب كلام معبر، وهو ما تقدمه التجربة الإغريقية البادئة من نفس المنطلق الذي تشكلت منه تكوينات الثقافة الشعبية، وهو ما يؤشر على تحديد الباحث في كون كل تجديدات الدراما حاليا ليست إلا منطلقا مما انتهت منه الدراسات والبحوث الأنتروبولوجية الشيء الذي يعطي لمقاربة الكتاب المنهجية صوابية الطرح، للاقتراب أكثر من سؤال أصول التخييل المسرحي• وقد سبق للباحث المسرحي سالم اكويندي في كتاب سابق أن قدم مقاربة منهجية في المتخيل المسرحي والذي أراد به موقعة العرض المسرحي كمتخيل للقراءة• لكن، في هذا الكتاب موضوع قراءتنا، يتخذ المنحى المنهجي وجهة أخرى قد تبدو مكملة، بوجهة سؤال أصول التخييل••متوسلا من خلال استراتيجية بلوغ معرفة " من نحن ؟؟"• انطلاقا من معرفة انطواءات أصول التخييل المسرحي أو على الأقل الكشف عنها• إذ تسعى هذه الاستراتيجية الى التخلص من "سجن" الكشوفات المناهجية واستقرائها نظريا، في حين أن "المسرح الذي نريده هو فينا، أكثر مما هو موجود في مواقع هذه المناهج" يؤكد الباحث، وتسعى القراءة المقترحة في الكتاب "أصول التخييل المسرحي" الى اكتشاف النسق الثقافي الذي تمثتله• في 198 صفحة، يقدم الباحث سالم اكويندي مقاربة أنتروبولوجية في المسرح والثقافة الشعبية من خلال تبويب/مباحث موزعة من خلال رؤى أنتروبولوجية في المسرح العربي، التركة والاستئناف في المسرح العربي، المسرح والثقافة الشعبية، مظاهر الفرجة في العيطة، مسرح العيطة، دراما خربوشة، الكوميديا في المسرح المغربي أصولها، والرؤيا الكوميدية في المسرح الشعبي، فن الملحون والمسرح، التراث الشعبي بين الهجرة والفرجة، التراث الشعبي الأمازيغي والفرجة المسرحية، بريخت والمسرح المغربي تخييل الأصول، ومتخيل الفرجة المسرحية،وأخيرا تنسدل فصول الكتاب بحوار أجراه كاتب هذه السطور بعنوان المسرح الذي فينا، والذي يقدم فيه الباحث سالم اكويندي أهم مبادئ مشروع بحثه• ترتكز الرؤيا الأنتروبولوجيا في المسرح العربي على المقدس، أي أنها رؤيا تتحدد من خلال علاقة المسرح بالمقدس، وينطلق التفكير في المسرح الخاص "بنا"، وهو مسرح يوجد ضمن التقاليد المحلية القومية، من فكرة ظل الباحث يؤكدها مرارا وهي أن أصول المسرح العربي أصول بدوية، وهذه الأصول تتلبس مسرح المقدس وتتسربل به، لالتزام المقدس فيها كنمط من التفكير، ويحضر المقدس كبؤرة للرؤيا الأنتروبولوجية في المسرح العربي، وتتدرج رؤية الكتاب في إثبات "اصولنا وإعادة تخييلها سعيا نحو مسرح خاص بنا ليكون بمثابة تقليد تقاليد لدى الآخر"• في نقد خطاب التأسيس والنشأة في المسرح العربي، يواصل الباحث المسرحي سالم اكويندي استجلاء رؤية الممارسة المسرحية العربية السابقة لخطاب التأسيس والتأصيل في المسرح العربي، وتنبع رؤية نقد الحاجة الى التنظير في المسرح من خلال الممارسة الفعلية للمسرح والممثلة في أنواع الفرجات المسرحية التي عرفتها بعض الشعوب خارج منظور المركزية الأوروبية والمتأصلة بحكم هذا التواجد في الوجدان الشعبي، بالتالي أمست هذه الفرجات آلية من أليات متخيلهم مع تراثهم، الشيء الذي أعطاها قوة في نسقية النظام الثقافي، كما أن عنصر الصراع داخلها هو مكون من مكونات الدراما، إضافة للشعر العامي كأنسب كلام معبر على صورة الفعل الدرامي المؤسس، وهو في نفس المنطلق الذي تشكلت تكوينات الثقافة الشعبية منه• في كتاب الباحث سالم اكويندي "أصول التخييل المسرحي" مقاربة أنتروبولوجية في المسرح والثقافة الشعبية كجزء من آلية إعادة قراءة النسق الثقافي العام، وما مقاربة أصول التخييل المسرحي إلا تشريح مضاعف لفرجة مسرحية عربية ظلت لصيقة بالوجدان الشعبي، وهي ظاهرة اجتماعية تشكلت وفق نسق ثقافي عربي للإجابة عن الوجود العربي، ومن ثمة يتم الكشف عن كيفية تخييل الأصول انطلاقا من هذه الأصول وليس العكس.